فصل: كِتَابُ الذَّبَائِحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.الْإِبِلُ الْجَلَّالَةُ:

وَتُكْرَهُ لُحُومُ الْإِبِلِ الْجَلَّالَةِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا، وَتِلْكَ حَالُهَا إلَى أَنْ تُحْبَسَ أَيَّامًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الْجَلَّالَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنْ يُحَجَّ عَلَى الْجَلَّالَةِ وَيُعْتَمَرَ عَلَيْهَا وَيُنْتَفَعَ بِهَا» وَتَفْسِيرُ الْجَلَّالَةِ الَّتِي تَعْتَادُ أَكْلَ الْجِيَفِ وَلَا تُخْلَطُ فَيَتَعَيَّنُ لَحْمُهَا، وَيَكُونُ لَحْمُهَا مُنْتِنًا فَحَرُمَ الْأَكْلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَبَائِثِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا لِتَأَذِّي النَّاسِ بِنَتْنِهَا، وَأَمَّا مَا يَخْلِطُ فَيَتَنَاوَلُ الْجِيَفَ وَغَيْرَ الْجِيَفِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ مِنْ لَحْمِهِ، فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ: لَوْ أَنَّ جَدْيًا غُذِّيَ بِلَبَنِ خِنْزِيرٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَحْمُهُ وَمَا غُذِّيَ بِهِ صَارَ مُسْتَهْلَكًا وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ، وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَقَعُ عَلَى الْجِيَفِ؛ لِأَنَّهَا تَخْلِطُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهَا وَلَا يَنْتُنُ، وَقِيلَ: هِيَ تَنْقُشُ الْجِيَفَ تَبْتَغِي الْحَبَّ فِيهَا لَا أَنْ تَتَنَاوَلَ الْجِيَفَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَكْرَهُ أَكْلَ الدَّجَاجِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْجِيَفَ، وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الدَّجَاجِ» وَلَوْ كَانَ فِيهِ أَدْنَى خَبَثٍ لَامْتَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَنَاوُلِهِ، وَاَلَّذِي رَوَى أَنَّهُ كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَذْبَحُهَا، فَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الدَّجَاجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَخْلِطُ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْجَلَّالَةِ الَّتِي لَا تَأْكُلُ إلَّا الْجِيَفَ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: تُحْبَسُ أَيَّامًا عَلَى عَلَفٍ طَاهِرٍ قِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: عَشْرَةَ أَيَّامٍ، وَالْأَصْلَحُ أَنَّهَا تُحْبَسُ إلَى أَنْ تَزُولَ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِذَلِكَ، وَهُوَ شَيْءٌ مَحْسُوسٌ، وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالزَّمَانِ لِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ فِي ذَلِكَ فَيُصَارُ فِيهِ إلَى اعْتِبَارِ زَوَالِ الْمُضِرِّ، فَإِذَا زَالَ بِالْعَلَفِ الطَّاهِرِ حَلَّ تَنَاوُلُهُ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

.كِتَابُ الذَّبَائِحِ:

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (لَا يَحِلُّ مَا ذُبِحَ بِسِنٍّ، أَوْ ظُفْرٍ غَيْرِ مَنْزُوعٍ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ وَتَخْنِيقٌ، وَلَيْسَ بِذَبْحٍ) فَفِي الذَّبْحِ الِانْقِطَاعُ بِحِدَةِ الْآلَةِ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ الِانْقِطَاعُ بِقُوَّتِهِ لَا بِحِدَةِ الْآلَةِ، وَلِأَنَّ آلَةَ الذَّبْحِ غَيْرُ الذَّابِحِ وَسِنُّهُ وَظُفْرُهُ مِنْهُ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إذَا كَانَ مَنْزُوعًا عِنْدَنَا، وَلَا يَحِلُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَكُلْ مَا خَلَا السِّنِّ وَالظُّفْرِ فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ»، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ غَيْرُ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّ الْحَبَشَةَ يَسْتَعْمِلُونَ فِي ذَلِكَ سِنَّهُمْ وَظُفْرَهُمْ قَبْلَ النَّزْعِ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا خَلَا الْعَضِّ بِالسِّنِّ وَالْقَرْضِ بِالظُّفْرِ وَالْعَضُّ وَالْقَرْضُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْزُوعِ عَادَةً، ثُمَّ الْمَنْزُوعُ آلَةٌ مُحَدَّدَةٌ يَحْصُلُ بِهَا تَسْيِيلُ الدَّمِ النَّجِسِ فَكَانَتْ كَالسِّكِّينِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ الذَّبْحُ بِهَا لِزِيَادَةِ إيلَامٍ وَمَشَقَّةٍ عَلَى الْحَيَوَانِ.
وَلَا يُعَدُّ هَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا ذَبَحْتُمْ فَأُحْسِنُوا الذَّبْحَ» الحديث.
قَالَ (وَمَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُذْبَحَ بِهِ حَدِيدًا كَانَ، أَوْ قَصَبًا، أَوْ حَجَرًا مُحَدَّدًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «أَرَأَيْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ صَادَ أَحَدُنَا صَيْدًا، وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّينٌ فَذَبَحَهُ بِشِقِّ الْعَصَا، أَوْ بِالْمَرْوَةِ أَيَحِلُّ ذَلِكَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت وَكُلْ»، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْيِيزُ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِكُلِّ آلَةٍ مُحَدَّدَةٍ ثُمَّ تَمَامُ الذَّكَاةِ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ فَإِنْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ كَقَطْعِ الْجَمِيعِ فِي الْجُلِّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ فَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قَطَعَ ثَلَاثًا مِنْهَا أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَ فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ إنْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ قَطْعِ الْجَمِيعِ.
فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ يُتَوَهَّمُ الْبَقَاءُ فَلَا تَتِمُّ الذَّكَاةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ، وَإِنْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَأَحَدَ الْوَدَجَيْنِ حَلَّ وَشُرِطَ ثَلَاثَةٌ فِيهَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَأَحَدُ الْوَدَجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُلْقُومَ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَرِيءَ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْوَدَجَانِ مَجْرَى الدَّمِ فَبِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ يَحْصُلُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَسْيِيلِ الدَّمِ.
فَأَمَّا قَطْعُ مَجْرَى النَّفَسِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ.
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ وَإِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ الْوَدَجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَقَاءَ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَلَكِنَّ هَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْيِيلُ الدَّمِ النَّجَسِ وَبِدُونِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ.
قَالَ (وَإِذَا ذُبِحَتْ شَاةٌ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا فَقَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ حَلَّتْ) لِتَمَامِ فِعْلِ الذَّكَاةِ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْأَكْثَرِ لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِالْجَرْحِ لَا بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ وَيُكْرَهُ هَذَا الْفِعْلُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ إيلَامٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهَا بِسَيْفٍ فَأَبَانَ رَأْسَهَا حَلَّتْ وَيُكْرَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ ذَبَحَهَا مُتَوَجِّهَةً لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ حَلَّتْ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الذَّبْحِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ هَكَذَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ بِأُضْحِيَّتِهِ الْقِبْلَةَ لَمَّا أَرَادَ ذَبْحَهَا» وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ رُبَّمَا كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ بِذَبَائِحِهِمْ الْأَصْنَامَ فَأَمَرَنَا بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِتَعْظِيمِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَلَكِنَّ تَرْكَهُ لَا يُفْسِدُ الذَّبِيحَةَ بِخِلَافِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ فِي التَّسْمِيَةِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ فَرْضٌ.
فَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ لِتَعْظِيمِ الْجِهَةِ، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ تَرْكُهُ مُوجِبًا لِلْكَرَاهَةِ غَيْرَ مُفْسِدٍ لِلذَّبِيحَةِ.
قَالَ (وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَةَ حَلَّتْ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْبَقَرَةِ الذَّبْحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} (بِخِلَافِ الْإِبِلِ فَالسُّنَّةُ فِيهَا النَّحْرُ)، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّحْرِ مِنْ الْبَعِيرِ لَا لَحْمَ عَلَيْهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ حَلْقِهِ عَلَيْهِ لَحْمٌ غَلِيظٌ فَكَانَ النَّحْرُ فِي الْإِبِلِ أَسْهَلَ.
فَأَمَّا فِي الْبَقَرِ أَسْفَلَ الْحَلْقِ وَأَعْلَاهُ فَاللَّحْمُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْغَنَمِ فَالذَّبْحُ فِيهِ أَيْسَرُ وَالْمَقْصُودُ تَسْيِيلُ الدَّمِ وَالْعُرُوقُ مِنْ أَسْفَلِ الْحَلْقِ إلَى أَعْلَاهُ فَالْمَقْصُودُ يَحِلُّ بِالْقَطْعِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْهُ؛ فَلِهَذَا حَلَّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ»، وَلَكِنْ تَرْكُ الْأَسْهَلِ مَكْرُوهٌ فِي كُلِّ جِنْسٍ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ إيلَامٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.
قَالَ (وَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَاضْطَرَبَتْ فَوَقَعَتْ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَضُرَّهَا شَيْءٌ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الذَّكَاةِ قَدْ اسْتَقَرَّ فِيهَا فَإِنَّمَا انْزَهَقَ حَيَاتُهَا بِهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاضْطِرَابِهَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الذَّكَاةِ فَهَذَا لَحْمٌ وَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ سَقَطَ مِنْ مَوْضِعٍ.
قَالَ (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ عَدَدًا مِنْ الذَّبَائِحِ لَمْ تُجْزِ التَّسْمِيَةُ لِلْأُولَى عَمَّا بَعْدَهَا) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يُسَمِّيَ عَلَى الذَّبْحِ وَذَبْحُهُ لِلشَّاةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ ذَبْحِهِ لِلشَّاةِ الْأُولَى.
قَالَ (وَلَوْ أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ وَسَمَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ أَلْقَى تِلْكَ السِّكِّينَ وَأَخَذَ أُخْرَى فَذَبَحَ بِهَا تُؤْكَلُ) لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ مِنْهُ عَلَى فِعْلِ الذَّبْحِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ سَهْمًا وَسَمَّى عَلَيْهِ وَوَضَعَهُ وَأَخَذَ سَهْمًا آخَرَ جَدَّدَ عَلَيْهِ التَّسْمِيَةَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَاكَ التَّسْمِيَةُ عَلَى فِعْلِ الرَّمْيِ، وَذَلِكَ يَحِلُّ وَالسَّهْمُ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ وَهُنَا الشَّرْطُ التَّسْمِيَةُ عَلَى الذَّبْحِ دُونَ السِّكِّينِ وَفِعْلُ الذَّبْحِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَذْبُوحِ لَا بِاخْتِلَافِ السِّكِّينِ فَوِزَانُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَوْ تَرَكَ تِلْكَ الشَّاةَ وَذَبَحَ أُخْرَى بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ.
قَالَ (وَلَوْ كَلَّمَ إنْسَانًا، أَوْ شَرِبَ مَاءً، أَوْ حَدَّ سِكِّينًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ لَمْ يَكْثُرْ، ثُمَّ ذَبَحَ جَازَ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ) لِوُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبْحِ فَبِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ لَا يَقَعُ الْفَصْلُ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالذَّبْحِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ الْحَدِيثُ، أَوْ طَالَ الْعَمَلُ، ثُمَّ ذَبَحَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالذَّبْحِ أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ يَنْقَطِعُ الْمَجْلِسُ وَبِالْيَسِيرِ لَا يَنْقَطِعُ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ.
قَالَ (وَإِنْ قَالَ مَكَانَ التَّسْمِيَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ أَجْزَأَهُ)؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّعْظِيمِ، وَقَدْ حَصَلَ.
وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ التَّكْبِيرِ فَيَقُولُ الْمَأْمُورُ بِهِ هُنَا الذِّكْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} وَهُنَاكَ الْمَأْمُورُ بِهِ التَّكْبِيرُ وَبِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ تَكْبِيرًا فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّحْمِيدَ دُونَ التَّسْمِيَةِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّبْحِ، وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ الذِّكْرُ عَلَى الذَّبْحِ وَغَيْرِهِ يَقْصِدُ مِنْهُ التَّسْمِيَةَ.
فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّسْمِيَةَ لَا يَحِلُّ حَتَّى إذَا عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ التَّحْمِيدَ عَلَى الْعُطَاسِ لَمْ يَحِلَّ بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْخَطِيبِ إذَا عَطَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُنَاكَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَهُنَا الْمَأْمُورُ بِهِ ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى الذَّبْحِ وَبِمَعْرِفَةِ حُدُودِ كَلَامِ الشَّرْعِ يَحْسُنُ الْفِقْهُ.
قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْخَعَ، وَقَدْ نَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ) وَبَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَبْلُغَ الْحَدُّ النُّخَاعَ وَهُوَ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي وَسَطِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِنُقْصَانٍ فِيمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ لِلذَّبْحِ وَهُوَ تَسْيِيلُ الدَّمِ بَلْ لِزِيَادَةِ إيلَامٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.
قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُرَّ الشَّاةَ إلَى مَذْبَحِهَا)، وَقَدْ بَيَّنَّا النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يَحُدَّ الشَّفْرَةَ بَعْدَ مَا أَضْجَعَهَا، وَقَدْ رَوَيْنَا النَّهْيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِنُقْصَانٍ فِيمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ لِلذَّبْحِ فَلَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُسَمِّيَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَرِّدُوا التَّسْمِيَةَ، وَلِأَنَّ الشَّرْطَ بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ عِنْدَ الذَّبْحِ قُبِلَ فَمَا يَكُونُ مِنْهُ مِنْ الدُّعَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الذَّبْحِ، أَوْ بَعْدَهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَإِلَيْك صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَذْبَحُ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

.ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ:

قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ)؛ لِأَنَّ تَسْمِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ يَتَحَقَّقُ مِنْ النِّسَاءِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ وَيَضْبِطُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ؛ وَلِهَذَا صَحَّ إسْلَامُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَهُوَ شَرْطُ الْحِلِّ فَهَذَا لَا خَيْرَ فِي ذَبِيحَتِهِ.
قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ التَّوْحِيدَ سَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ، أَوْ أَهْلَ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا أَبَاحَ الشَّارِعُ ذَبَائِحَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَالْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

.ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ:

قَالَ (وَذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ حَلَالٌ مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ كِتَابِيًّا)؛ لِأَنَّ عُذْرَهُ أَبْيَنُ مِنْ عُذْرِ النَّاسِي. فَإِذَا كَانَ فِي حَقِّ النَّاسِي تُقَامُ مِلَّتُهُ مَقَامَ تَسْمِيَتِهِ فَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ أَوْلَى.
قَالَ (وَمَا أَدْرَكْت مِنْ الْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ وَنَظَائِرُ هَذَا فَذَكَّيْته حِلٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ})، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حَيَّةً حِينَ ذُبِحَتْ حَلَّتْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَيَاةُ فِيهَا مُتَوَهَّمَةَ الْبَقَاءِ، أَوْ غَيْرَ مُتَوَهَّمَةِ الْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَسْيِيلُ الدَّمِ النَّجِسِ بِفِعْلِ ذَكَاةٍ، وَقَدْ حَصَلَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَعِيشَ يَوْمًا، أَوْ أَكْثَرَ تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، وَفِي رِوَايَةٍ اُعْتُبِرَ تَوَهُّمُ الْبَقَاءِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إذَا نَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَ شَاةٍ وَأَخْرَجَ مَا فِيهَا، ثُمَّ ذُبِحَتْ لَمْ تَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنْ تَعِيشَ بَعْدَهَا فَمَا بَقِيَ فِيهَا إلَّا اضْطِرَابُ مَذْبُوحٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
قَالَ (وَمَنْ ذَبَحَ شَاةً، أَوْ غَيْرَهَا فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ لَمْ يُؤْكَلْ الْجَنِينُ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُؤْكَلُ. إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يُؤْكَلُ الْجَنِينُ إذَا أَشْعَرَ وَتَمَّتْ خِلْقَتُهُ.
فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضْغَةِ فَلَا يُؤْكَلُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} قِيلَ الْفَرْشُ الصِّغَارُ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْحَمُولَةُ الْكِبَارُ فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِأَكْلِ ذَلِكَ لَهُمْ، وَفِي الْمَشْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» مَعْنَاهُ ذَكَاةُ الْأُمِّ نَائِبَةٌ عَنْ ذَكَاةِ الْجَنِينِ كَمَا يُقَالُ لِسَانُ الْوَزِيرِ لِسَانُ الْأَمِيرِ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ بَيْعُ الْيَتِيمِ.
وَرُوِيَ ذَكَاةَ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ وَمَعْنَاهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ حَرْفِ الْخَفْضِ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا هَذَا بَشَرًا} أَيْ بِبَشَرٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا إنَّا لِنَنْحَرَ الْجَزُورَ فَيَخْرُجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ أَفَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ كُلُوهُ فَإِنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الذَّكَاةَ تَنْبَنِي عَلَى التَّوَسُّعِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْأَهْلِيِّ بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ.
فَإِذَا نَدَّ فَبِالْجُرْحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وُسْعُ مِثْلِهِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ فِي الْجَنِينِ ذَبْحُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُخْبِيًا فِي الْبَطْنِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ فِعْلُ الذَّبْحِ مَقْصُودًا، وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ لَا يَبْقَى حَيًّا فَتُجْعَلُ ذَكَاةُ الْأُمِّ ذَكَاةً لَهُ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الذَّبْحِ فِي الْأُمِّ فِي زُهُوقِ الْحَيَاةِ عَنْ الْجَنِينِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْجُرْحِ بِحِلِّ رِجْلِ الصَّيْدِ فَالْغَالِبُ هُنَاكَ السَّلَامَةُ وَهُنَا الْهَلَاكُ، ثُمَّ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْمُو بِنَمَائِهَا وَيَقْطَعُ عَنْهَا بِالْمِقْرَاضِ كَمَا فِي بَيَانِ الْجُزْءِ مِنْ الْجُمْلَةِ وَيَتْبَعُهَا فِي الْأَحْكَامِ تَبَعِيَّةَ الْأَجْزَاءِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاءٌ فِي عُنُقِهَا وَبَيْعِهَا كَاسْتِثْنَاءِ يَدِهَا وَرِجْلِهَا وَثُبُوتُ الْحِلِّ فِي الْبَيْعِ لِوُجُودِ فِعْلِ الذَّكَاةِ فِي الْأَصْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحِلُّ ذَبْحُ الشَّاةِ الْحَامِلِ، وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ الْجَنِينُ بِذَبْحِ الْأُمِّ لَمَا حَلَّ ذَبْحُهَا حَامِلًا لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافٍ لِلْحَيَوَانِ لَا لِلْمَأْكَلَةِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُنْخَنِقَةُ} فَإِنَّ أَحْسَنَ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عِنْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ فَيَمُوتُ بِاحْتِبَاسِ نَفَسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنْخَنِقَةُ.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «إذَا وَقَعَتْ رَمِيَّتُكَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ أَمْ سَهْمُك» فَقَدْ حَرُمَ الْأَكْلُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي سَبَبِ زَهُوقِ الْحَيَاةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْجَنِينِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَاتَ بِذَبْحِ الْأُمِّ، أَوْ بِاحْتِبَاسِ نَفَسِهِ، وَقَدْ يَتَأَتَّى الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ انْفِصَالُهُ حَيًّا لِيُذْبَحَ.
وَعَلَّلَ إبْرَاهِيمُ فَقَالَ ذَكَاةُ نَفْسٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ مُودَعَةٌ فِي الْأُمِّ حَتَّى يَنْفَصِلَ حَيًّا فَيَبْقَى، وَلَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْجُزْءِ حَيًّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ يُتَوَهَّمُ انْفِصَالُ الْجَنِينِ حَيًّا، وَلَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ حَيَاةِ الْجُزْءِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَصْلِ.
وَالذَّكَاةُ تَصَرُّفٌ فِي الْحَيَاةِ. فَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ نَفْسًا عَلَى حِدَةٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذَكَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا نَقُولُ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ الْأُمِّ بَلْ يُبْقِيهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَطْنِ الْأُمِّ مِنْ غَيْرِ غِذَاءٍ، أَوْ يُوَصِّلُ اللَّهُ إلَيْهِ الْغِذَاءَ كَيْف شَاءَ، ثُمَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ قَدْ يَتَغَذَّى أَيْضًا بِغِذَاءِ الْأُمِّ بِوَاسِطَةِ اللَّبَنِ وَلَمْ يَكُنْ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ وَلَمَّا جُعِلَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ تَبَعًا لَمْ يُتَصَوَّرْ تَقَرُّرُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الْأُمِّ دُونَهُ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ انْفِصَالُهُ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ.
وَلَوْ انْفَصَلَ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ عِنْدَهُمْ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ يُتَّبَعُ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالذَّكَاةِ تَسْيِيلُ الدَّمِ لِتَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ وَبِذَبْحِ الْأُمِّ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ فِي الْجَنِينِ، أَوْ الْمَقْصُودُ تَطْيِيبُ اللَّحْمِ بِالنُّضْجِ الَّذِي يَحْصُلُ بِالتَّوَقُّدِ وَالتَّلْهِيبِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْجَنِينِ بِذَبْحٍ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَمَّا قَالُوا إنَّ الذَّكَاةَ تَنْبَنِي عَلَى التَّوَسُّعِ.
قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَكَمَا لَوْ قَتَلَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ غَمًّا، أَوْ اخْتِفَاءً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ الْجُرْحِ وَإِبَاحَةُ ذَبْحِ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَنْفَصِلَ الْجَنِينُ حَيًّا فَيُذْبَحُ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَحْمُ الْأُمِّ وَذَبْحُ الْحَيَوَانِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ حَلَالٌ كَمَا لَوْ ذَبَحَ مَا لَيْسَ بِمَأْكُولٍ لِمَقْصُودِ الْجِلْدِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ التَّنْبِيهُ لَا النِّيَابَةُ أَيْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ الْجَنِينَ أَوَّلًا.
وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ النِّيَابَةَ لَذَكَرَ النَّائِبَ أَوَّلًا دُونَ الْمَنُوبِ عَنْهُ كَمَا قِيلَ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي اُسْتُشْهِدَ بِهَا وَمِثْلُ هَذَا يُذْكَرُ لِلتَّشْبِيهِ يُقَالُ فُلَانٌ شَبَهُ أَبِيهِ وَحَظُّ فُلَانٍ حَظُّ أَبِيهِ.
وَقَالَ الْقَائِلُ:
وَعَيْنَاك عَيْنَاهَا وَجِيدُك جِيدُهَا ** سِوَى أَنَّ عَظْمَ السَّاقِ مِنْك دَقِيقُ

وَالْمُرَادُ التَّشْبِيهُ وَيَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ فِي الرِّوَايَةِ بِالنَّصْبِ فَإِنَّ الْمَنْزُوعَ حَرْفُ الْكَافِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} أَيْ كَمَرِّ السَّحَابِ وَيُحْتَمَلُ الْبَاءُ أَيْضًا، وَلَكِنْ إنْ جَعَلْنَا الْمَنْزُوعَ حَرْفَ الْكَافِ لَمْ يَحِلَّ الْجَنِينُ.
وَإِنْ جَعَلْنَاهُ حَرْفَ الْبَاءِ يَحِلُّ وَمَتَى اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ لِلْحِلِّ وَالْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ يُغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ وَالْحَدِيثُ مَعَ الْقِصَّةِ لَا يَكَادُ يَصِحُّ، وَلَوْ ثَبَتَ فَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ أَيْ مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ تَعَالَى {إنَّك مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوهُ أَيْ اذْبَحُوهُ وَكُلُوهُ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْشِ الصِّغَارُ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْجَنِينَ وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسَ فَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْجَنِينَ مَأْكُولٌ، وَبِهِ نَقُولُ، وَلَكِنْ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا فَيُذْبَحَ فَيَحِلَّ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.